للكبار فقط مسعود الجولاني - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


للكبار فقط
مسعود الجولاني - 02\07\2010
أضواء خافتة وأنغام صاخبة,أعمدة دخّان متصاعدة وزجاجات فارغة متناثرة,وهمس المجون مكشوف مفضوح,ولكن...لا حرج يبدو على وجه أي من المتسامرين المتأرجحين,فهم يهوجون ويموجون بحركات مغرية ولباس فاضح ولمسات مشبوهة.
وذلك الشاب المتأنّق غارق في أحضان تلك الراقصة,يختصر كل أحلامه ما بين عنقها وخصرها,يعيش بكل حواسه تلك اللحظات اللاهبة,ولا يأبه لأمر سواه.
وفي المكان البعيد الاّخر,في ذلك البيت المرتمي ما بين الأشجار التي تطال السماء وتلك الدوالي التي تعشق الأرض,يقبع أب قلق,يجوب أرجاء الدار ذهابا وايابا,وكأنه يبحث عن ابنه الشاب,تارة يده على خدّه ..يلوم نفسه,وحينا يده على جبينه..يحرّضه على التفكير,ولعلّ لون شعره الأبيض يضفي هيبة اضافية على هذا المشهد المؤثّر. فهو لا يريد أن يخسر ابنه الذي تغيّر سلوكه منذ حين,فهجر بيت والده وابتعد عن أقرانه,وراح يبحث عن نفسه ليجدها فقط في ساعات الليل المتأخرة ثم يعوفها في صباح اليوم التالي.
وبعد طول تفكير,قرّر الأب أن يسابق الزمن فيخرج ليبحث عن ابنه,يستردّه ويثنيه عن المضي في درب الضياع هذا...وكان حنان الأب العطوف وحدس المثقّف المتّزن دليليه الى ذلك النادي الليلي,دخله دون تردّد ومشى بثقة, وحوله كل ما يرفضه ولا يرضيه,وكانت اللحظة الحاسمة عندما لمحتاه عينا ابنه...ليزفر باّه فيها كل عبر الحكايات وخبرة الحكماء,اّه كانت كافية لتزيح غشاوة العينين, وترجع الى الابن وعيه وطيبته...تعانقا وخرجا سويا,وكانت دموع الابن أصدق اعتراف بأخطاء الماضي وخير مبشّر باّمال المستقبل.وصلا الى بيتهما المشتاق ولم يكن هنالك مكان للكلمات,فالنظرات كانت كافية لرسم عهد جديد بينهما عماده سمو الاخلاق والاستفادة من دروس الماضي.
ومضت الأيام وكان الأب كلما لامس خده الوسادة,راح يفكّر بنظرات وابتسامات تلك الراقصة في ذلك اليوم المعهود,لقد سحرته اطلالتها وأسرته التفاتاتها,لم تغب عن باله يوما بعد ذلك,الى أن استحوذت عليه بشكل كلّي...كل ذلك قبل أن يتعرّف عليها أو أن تبادله بنت شفة.
وبملامح جامدة وبخطوات متردّدة,سار الأب الى ذلك النادي الليلي...ليجالس تلك الفتاة,وليسرد لها رواية عذابهما,تلك الرواية التي رغم كونها بطلتها,الا أنها لا تعلم عنها شيئا.
وصار الأب زبونا دائما عند تلك الراقصة التي لم يتغيّر عليها شيئ.. سوى أنها استبدلت الابن بأبيه.
علم الابن وغيره من محبّي الأب بمتناقضات الأيام هذه,ولم تكن لديهم الجرأة أن يفعلوا على غرار ما فعله بالماضي,اجتمع المحبّون عند مدخل النادي على جانبي الطريق...ينتظرونه أن يخرج,علّهم يفلحون في اقناعه بفضاعة ما يصنع,فيصلح خطأه ويستوي مسلكه.
وما زالت الجماهير تنتظر خروجه... في حين أنه منشغل بانتقاء بدلة الرقص المناسبة لسهرة الليلة.